الجمعة، 28 أغسطس 2015

أشياء عالقة

صورة ‏نسيان النسيان‏.



هناك بعض الصور العالقة في الذاكرة لا يمكن أن تمحى أو تنسى أو تشنق ، لا زلت أذكر تفاصيل ذاك الصّوت المنبعث من المطبخ حيث لا ضجيج غير صوت الاواني وهي تقرع وترمى في كلّ اتجاه وآثار الطّعام مرمية على الأرض ، وبعض كلمات السّباب والشّتم و لعن الحياة وتمتمات خلف ظهر أمّ مسكينة اختبات خلف الجدران خوفا أن تصيبها لعنة شريرة أكبر ممّا تواجه كلّ مرة من عصيان وتمرّد وانعدام اخلاق وتربية ، انا لا أذكر الاماكن التي كنت اختبئ فيها خوفا ولكنّي اتذكّر ذلك الشّعور بالرّهبة والضّياع والبكاء من دون صوت ... تلك الرجفة التي كانت تصيبنا تلقائيا حين سماع صوته البعيد او لمحة من ظلّه الضّخم القادم من خلف الباب ، لقد كانت أوقاتا صعبة جدا بالنسبة لنا لأننا عشنا في بيت مثقوب ، تتسرّب من نوافذه رائحة غريبة تمتزج فيها كلّ المشاعر المؤلمة والحزينة . لقد تربّينا على الموت الرّحيم منذ صغرنا وأجسادنا الغضّة تحوّلت الى رقعة بالية من شدّة ما اختزلت من مواقف غير مفهومة وأسئلة لم نستطع الاجابة عنها ونحن كبارا ، ما يؤلم ألا تعرف ان تواسي أقرب الناس اليك وتمسح دمعه وصراخه المنخفض خوفا من آذان الحيطان ... وككلّ مرّة أشياء تمزّق وأخرى ترمى بعيدا وضرب غير مبرّح وروح تقطّع داخل الجسد ولا مجال لاعادتها كما كانت ولا أمل في تعديل تلك الصورة المقلوبة التي كبرنا معها في صمت ولا زلنا نراها معلّقة على الجدار تذكّرنا ببعض الذكريات المؤلمة التي تركت بصمتها الواضحة على ارواحنا وللأسف لا زلنا نحمل ذلك الوجه المشوّه عن الماضي الذي صار يعود بشكل جديد وبصورة مختلفة أكثر ألما.
       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق