الجمعة، 28 أغسطس 2015

لأنّك أكبر من أي لغة

صورة ‏نسيان النسيان‏.


لم أعد أؤمن بسحر الكلمة كثيرا ، فضجيج مرورها في جنبات الصّمت يكسر معاني الشّوق . ولا يزيد روحي سوى النّزف وفي هذا الظّلام الكثيف الذي أحسّه في مسامات ذاكرتي التي تجعلني غير قادرة على الكتابة من دون ملح ، ذاك الرّبيع المتأخّر في قدومه دائما ، ذاك القاتل المحترف في تشريح الصّمت ، ذاك الذي يهزمني أكثر بحديثه بحمرة جليده ، ومساحيق ثلجه التي تزاحم الأمكنة الفارغة من البوح . أنتعل الوقت الذي يداهمني في كلّ مرّة ليدهس عجلة اللّهفة التي تسير بي إليّ ، ويطفئ كبريت صوتك في فمي و يشعل قدر الكلمات في مداد أنفاسك لأتبخّر في سواد غيابك . أعجز حقّا عن الكتابة وكلّما حاولت امتطاء ظهرها أسقطتني عنوة وهشّمت رهبة الموت في تجاعيد نجمك البعيد ، وقلّما أجد لنفسي زقاقا حبريا يؤذّي بي إليك ، إلى ذكرياتك العالقة . أواصل المشي فيك بشغف وكأنّي أمشي على صوتي وعطشي وبقايا من خلّفت . أمشي كخريف موعود بالمطر ريثما أجد في نفسي بابا لا صوت له يشعرني بالحاجة إلى أن أكون وحيدة كغيمة . أبحر في فضاءاتها الفارغة و يحرّكني من فوق طائرها الورقي وأنت . أختنق في عنق الغياب فأكاد أغرق ولا أغرق ، وكأنّ ما يجمعني بك تشتّته. تنبش وجهه الجاف وتفجّر قنابل الوعي التي تسكنني فلربما حينها فقط أتبعثر ، أتّخذ لنفسي عذر الجنون بانفجاري الذي يتابع حياته بداخلك ... فواصل بمراياك المكسورة إخافتي وأجبرني أكثر في التّحديق بشظاياها لأكتشف عاهتي بك وأحصي جميع الثّقوب التي أحدثها نيزك بعضك في مداري ، وأوقن بصدق أنّي أحمل أكثر من إصبع في روحي لأكتبك ولا أستطيع ذلك ، لأنقذك منّ قصائدي الميّتة وأحرّرك من قدري المنكوب . ساق في روحي وأخرى في ضياعك ومع ذلك أستمرّ في الرّؤية ، في قصّ العطر من ثيابك أستمرّ في عجن أرغفة الإنتظار من دونك ، وطهيّ كلّ التوقّعات التي لا تجلب لي سوى الخيبة وهدر للوقت ومزيد من النّحس .دعني يا أنت ، يا بعض ما يلقيه الضّوء في ظلامي ، يا مدينتي في الحقول ، ويا عصافير حذفي ، يا منفاي الأنيق دعني أحتفي وحدي باسترجاع كرامة الحبّ وصمت البوح ، واحتراق الأمكنة بحطب الكلمات الطاعنة في السنّ ، بشيخوخة مبكّرة لأبجديّة أكل الإنتظار منسأتها ، ومع ذلك لا تزال مصرّة على الحياة بمساحيق الأمل . أيقنت سيّدي أنّك أكبر من عمري ومن لغتي ، وأطول من قلمي لذلك تأنّى تأنّى بقربك منّي كي لا أذوب دفعة واحدة في شمسك .
         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق