الخميس، 3 نوفمبر 2011

مساء ... الورد


مساء ... الورد
ركبت حافلة الوقت على عجل وطرت كعصفورة مذعورة بين أحضان جسور قسنطينة ، ونقّبت عنك كما ينقّب الموجوع عن حبّة دواء ضائعة ، وأخيرا وصلت متأخّرة على غير عادة العصافير وفتّشت عنك غرفة غرفة في بوم لا يستقبل فيه الزائرون مرضاهم لكنيّ أخيرا دخلت واتّجهت صوب رواق ضيّق ، مظلم ، وكأنه عمود لقطار مشلول ، ممدّد منذ زمن ، فتحت بابا مغلقا لغرفة معزولة تماما عن كل حركة وحياة ، استغربت هذا الّنفي القاسي في مدينة لا تعترف سوى بمدّ الجسور ، دخلت مبتسمة كعادتي الأولى ، غير أني ما جلست هذه المرة مطلقا ، وإنما فتحت بوابة العتمة المطبقة ، وكأنما أشعرني موقف الصمت برائحة شجار بينك وبين نافذتك ، استغربت الفراغ والهواء الذي استلقى على سريرك البارد ، غريب ألا أجدك بعد هذه الرحلة الطويلة ، جلست أقلّب علب الدواء بفضول فوجدتها محظوظة جدا لانها تظلّ ترعاك وربما تحدّثك أيضا عن قصصها مع المرضى الذين سبقوك غير أنها أكيد تقرّ بتميّزك عنهم جميعا ، لأنها بالكاد تفرغ من بلسمها ، رتّبتها ثم أعدت غلق النافذة الحزينة على غير عادة كل ّ النوافذ الباعثة في النفس روح الأمل ، استدرت على وقع خطوات ثقيلة ، متعبة ، مستسلمة وإذا بي ألمحك منتصبا ، مندهشا ، وكانك فنجان فاضت به الدهشة الممزوجة بالسرور، حملت صوبك علبتي المبللة بالتساؤلات، و وضعتها بين يديك حين غابت عني شياطين الكلام وشكرت حقا هذه الغرفة المظلمة لانها ربما تشبهني في صمتها ، في رحيلها المؤجّل بدون مواعيد ، فلكم تختزلني حيطانها وكأنك اخترتها عمدا لانها تشبهني وتشبهك ربما ، غير أن كلينا ظلّ صامتا في حضرتها .... فهل ستسعني حيطانها وحضورك لاستنزاف كلّ قطرات شوقي ، هل ستروي فضولي نوافذها أبوابها وحتى علب الدواء الواقفة وكأنما مستعدّة هي دائما لتلقينك طلاسم الشفاء .فلكم حدّثتني في صحوتك المفاجئة عن جميع حماقاتك ، وعن جميع مشاكساتك ، ورفضك المستمر ، وهزيمتك المقنعة في حضرتها فهل ستنكر في حضرتي أيضا جميع الاتهامات ....... يتبع
بقلم أ خديجة إدريس 

نصف ... أنثى




أدركت يوم التقيتك أنّي نصف أنثى مهدّدة بالاجتياح ، ولاحت من بعيد ، و خلف عينيك المبلّلتين بشوقي نهاية عصفورة من زجاج تسكنني ، ويسكنها مداد الزّهر المستباح ، كيف لي أن أقهر في حضرتك نهايتي المحاصرة ، وفي عقر منفاي تسلّلت أصابعك الورقيّة المغامرة أيّها المسكون بالنّسيان ... بل أيّها النسيان المسكون بالنّور ، مهزومة هي كلّ مشاريعك على شرفات المدينة ، محمومة هي تلك النظرات المستعجلة في رحيلها ، و تلك الحافلة العجيبة في اقتحاماتها ، وذاك الحزن المشتّت في كتاب تصارعه لام النّهي الجميلة ، وتلك الجريدة التي تركتها بشروقها المعتاد ، فوق طاولة مستديرة الوجه وكأنّها تسرق من تحت سكوننا نظرة خاطفة، وكأنّما مسحورة هي مثلي بنورك ، صرت عمياء لا أرى حولي غيرك ، ولا أسمع صوتا غير خطاك ، ولا اتبع شيئا غير ظلّك المسكون ، وكأني صرت في لحظة خاطفة ريشة مسلوبة الرّوح ، تنفخ فيها هواءك الطفوليّ، و تدوّرها بعصا سحرك المخملي ، و ترميها بعيدا كقطّة معاقبة ، كطفلة في مشاجراتك مشاغبة ، كلّها آمارات لهزيمتي المكابرة ، فمقتولة صرت أنا بلامك ، وبجريدتك ، وبمحطّّتك المقبلة ، وبجميع أقلامك ....وكلّ آهاتك المنثورة بين أزقّّّّّة مدينتي التي سكنتها عنوة ، ونثرت خطاك كما ينثر الخريف رحيقه المجنون .... وصرت معلّقة الرّوح كقشّة منسيّة ، أنتظر محطّّتك المقبلة   بقلم خديجة ادريس 

لحظات ... خريفية



مرّت لحظات من الصمت ، وكأنّ الدنيا أوقفت على رنين معصميها أجراس الوقت ،جلست مبتسمة ممدّدة الشّوق والحنين ، وكأنّني صرت في نصف لحظة أنثى تبحث عن مراياها الضائعة ، وعن حقيبة يدها المليئة بمساحيق الجرأة اللاّزمة للقائك ، تحـسّبا لأيّ انتكاسة عاطفيّة قد تجرّني اليها نظراتك الآسرة ، تسارعت في حضن الدقائق انفاسي وتحرّكت جميع نبضات قلبي المسروقة ، في حضن التّواني المستعجلة ، وكأنّها قطارات من التّوتّر تتزاحم على وقع جلستنا الباردة مساراتها وجميع تقطّعاتها بين أشجار من رماد ، فنفخت من روح الوقت علّه يمدّني بمزيد من الشجاعة في استقبال حبّ ليس ككل الفصول ، ورجل يشبه المطر في اجتياحه المعلول ، وجميع أشيائه المبعثرة ، وصلت في الوقت المحدّد بدون عقل ، وبدون قلب ، وبدون روح ، وصلت فارغة من نفسي ، لأستقبل من سيرسمني كما يشاء ...... فاللّوحة المستعصية في حضورها يلزمها ريشة كريشتك المتمكّنة ..... طوع أصابعك أنا وطوع جميع اقتحاماتك بقلم خديجة ادريس

lمن ... قال




من قال أنّي بمسك الشّوك أحفر جسدا من ورق ، ومن قال أنّي أنثى بثلث اهتماماتها أكسر أعناق الزّنابق فقد صدق حدسه الجميل صدق ، شددت بعنف أزرار الوقت الخجول ، وكففت دمعا أينعت أظافره في رحم البعد ، كما تتفتّق السنابل بين الحقول ، روعة هو ذاك الوقوف في وجه رحيلك المستبدّ العجول ، وكأنّما صدّقت الرؤيا بأنّي شوك ، وأنّي ثلث امرأة يغزوها الذّبول ، أين المفرّ من رؤياك الصّادق حدسها ، من مطرقة القاضي ، وسجّان الحلم ، وادعاء الخائبين سوى المثول ، أرشف من رئتيّ خطاك أنفاسي ، وأشترّ بملح البعد ثراك المعلول ، أيّها السّاحر فوق العادة ،كم يلزمني من وقت كي أستنسخ لنفسي ألف نهاية تباركها العقول . خديجة ادريس