الجمعة، 28 أغسطس 2015

زكام الشّتاء


صورة ‏نسيان النسيان‏.


يفقد الفصل ثوبه ، ويفقد الورق لونه ، ويفقد القلم حبره ، ويفقد الصوت صوته .... هي هكذا أعراض المرض عندي . فزكام الصمت أحيانا يشعرنا برغبة في البكا ء ، وإن فقدنا السيطرة على ذواتنا في لحظة ضعف ستجد كلّ جزء فيك يقول لك ما هذه الدموع ؟ .... وستردّ بلهفة وكأنّك تتجاهل نفسك وتخاطب مجهولا يسكنك : مسكّنات لزكام الهجر والفقد أقصد الشّتاء . وتبتسم مع بعضك الذي كذّب بعضك ، و تراوغ شعورا واضحا في داخلك لا يمكن أن يصبح غامضا ، أسودا ، فالثلج أحيانا لا يذوب مقابلا للشّمس ، والدّمعة أيضا يصعب شدّها إلى الداخل لتتراكم في العين وتصبح بحيرة راكدة يغتسل فيها إوزّ الغد المجهول . وكأنّ الشّتاء أصبح يحمل أكثر من معنى وجرح ، بكامل تفاصيله حاضر في وجهي وقلبي ومع ذلك لا أستطيع حجبه ، ووحدها نظرة الحزن تبقى مشتعلة في عيني لتدفّئ بقايا أنفاس تنتظر الفرج من وجع يرفض أن ينام . تحت وسادتي أعلّق أملي ، أنجب عقلا هادئا على سريري ، وعلى وسادتي أعانق جنوني ليمضي هذا اللّيل المسنّ .
ما أقسى هذه القهوة اليوم باردة جدا ، ساخنة جدا ، أحرّك سكّرها مرغمة وكأني أحرّك عقلي . وحدها تقتلني تلك الأفكار المجنونة و الأرقام التي تنزل على رأسي لتسكب لهفتي في فمي ، وينقضي ما تبقّى منّي إلى حيث يخفق قلبي من شدّة الجوع و يدقّ الخوف على زجاج روحي . أشياء كثيرة لا تزال متدفّقة في كبد حزني وتقطّعني أجزاء ، كلّ جزء ينفر من جزء وأنا القائدة الوحيدة في عمق شتاتها ، في رسائل حربها المليئة بالقبل والدمّ . فيا ويح الطّين العالق في نسياني ، ويحي من سمّ الوقت واغتيال الرّعد للغة ، للسعادة التي أنجبت شقاءها لحظة فزع ، فقدت الحركة من الدّاخل وأنا لا أزال أغرق بي .
أحيانا ألجأ إلى فكّ ظفائري انتقاما من طول سوادي ، وأعضّ على مشاعري التي تتأوّه في حلمي . لن أقبل بأيّ أنثى تقترب ، وأترك عصفور جسدها يلحق بك دون حصار ، أرفض أن أحتجز غيرتي بشدّة ، ولن أصفع تهوّرها الجميل بداخلي .
فراشات الدّهشة تسكن أكوام القلق ، ليبتلعني الغضب بهدوء ولا صوت يسمع عبر نافذتي غير الصّمت ، غير عاصفة فاتها الرّبيع ومضى ، لا شيء يسمع غير صوت الخشب المنبعث من غابة أشواقي ، مبلّلة أحاول أن أحرق نفسي حتّى لا ينتبه أحد لحديث الشتاء بداخلي .
أيّتها المجنونة التي تغلبني ، وتضربني بداعي القتل أوقفي حركة الدمّ الملتهب وأخبريني أينك ، أين أوانك الذي أرغب في الوصول إليه ، أوقفي جميع خيطان الصّوف التي تلفّ أصابعي وعنقي .، أوقفي أيّتها الأعين الدّخيلة صهيل فضولك عنّي فمحال أن يهتزّ الرّبيع في الوقت ، في حطام جعجعتك انصرفي ، فالعاصفة بداخلي تموت واقفة ، وتقتل بشغف ، وتسامح بندبة .
لست أبدا سوى أنت ولن أكون خلفك بل أمامك ، أنا هناك حيث أنت ، حيث لا يشرق لي صباح ، ولا أنفاس ستشنق إلاّ بمستحيل حاجتك ، سأقلّب فناجيني اليومية من دون صوتك وأبكي أزقّة مشيناها معا ،وتركناها تكبر دون مقاومة . لا أكاد أراني في حضورك ، مصابة حواسي بالعمى ، ببقايا الزّهور الجاهزة في موعد ، فضع خاتم حبّك في قلبي ولا تخف التفافك بالقدر و نخب المحبّة لأموت بسلام فيك فرائحة الغياب مقرفة ، موجعة ، اقترب إني أحتاجك لأتنفّس ، أحتاجك يا مجنون حذفي الذي ألقاه بفرح فقد أ دركت لحظة وضعت عقلي في خلاصي أني أعشقك ، يدوّخني دوران مقاومتك يجعني أتوحّد بمجرّتك وأنا في عداد اللّهفة وعلى قيد موتك تفرغني الكلمات منّي وتخون ذمّة الصّمت تحت وطأة هاتف مشمّع بالكبرياء والكرامة ، وأنا لا أزال فوق رصاصة عشقك أرقص ، تكاد تقتل نفسها بي لتحصل عليّ حدّ الهلاك .
فلا رسالة أتت ولا رنّة أسمعتني صوتك وأنا في عمق اللّيل أعرفني بوضوح ، أسكّن ألم قلبي بالظلام .. لأبقى قيد الحرمان أفجّر نفسي كتابة وأنا لا أزال مريضة .
زكام هذا الشّتاء أعراضه مختلفة تدقّ في رأسي طبولا صاخبة تزيدني انتقاصا ، وتضخّمني حزنا ، أحتاج ابرة قسوتك ، ومرارة هجرك ، وملعقة الرّجاء ، وسرير كتفيك ، أحتاج أن أسعل حبّك على شكل كلمات أحـ ، أحــ ، أحــبّك جدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق