دخلت حياتي دخول الفاتحين عنوة ووجدت في حزنها
وصمتها وغموضها ما استهوى حزني وقلمي ... قالت لي معجبة انا بما تكتبين فقلت لها
من أين لك تعرفين نسياني المرير قالت لي بمحض الصدفة أحببتك وعشقت كل كتاباتك فقلت
لها فلنجعل من جرحنا جرحا واحدا ألما واحدا دمعة واحدة ... وصرنا صديقتين مع أني
لا ازال أراها بعيدة عني ترفض الحديث عن جرحها قالت لي محجوبة أنا عن الكلام الى
الأبد ومع اني فضولية بطبعي احترمت رغبتها وتركتها على راحة صمتها غير انها
تسلّمني كل ليلة يعانق فيها القمر ضراع السماء كتابات وما أجملها من كتابات معتّقة
بالحزن والبكاء وهذا النص محاولة منها ومني للتخلّص من نواح البكاء ولو لمرة واحدة
هي تقول أول مرة سأكتب عن الفرح وكذلك قلت أنا هي تقول تراني سأنجح وأنا كذلك أقول
ترانا سننجح فتقبلوا مرورها الصامت الذي يبدع أول مرة في وصف رحلتها الى مدينة
الفرح والسرور وكذلك أنا فكان امتزاج نصّينا محاولة لهزيمة شيئ بداخلنا فلعلّها
بهذه الطريقة تثق من جديد بان الحياة لا تزال بخير فهذه أول مرّة في حياتي وحياتها
على حدّ قولها نجرّب الكتابة بقلم أبيض تغزوه الضحكات التي قد تولد من جديد
فتقبلوا مروري أنا نسيان { خديجة ادريس } وهي {دفى الروح } مريم صديقتي اتي ولدت
حديثا من رحم النسيان هي وصفت رحلتها الى مدينة النور وانا وصفت الابتسامة أميرة
مدينة الفرح والسرور فتقبلوا منا هذا المرور
مدينة ..... النور مدينة الفرح والسرور
أدكر ذات ليلة محدّثة نفسي الحالمة الانسلاخ من حزني
فقد مللت أنا ديار النائمين الباردة وكانهم من فرط التّعاسة يفرشون الأسى
ويتوسّدون اليأس ويلتحفون الحزن ويستسلمون لبلاط من ثلج وجرح وقرح
رحت امشي مختلسة الخطى وكان الخطى ذاتها تجتثني من
تحت أتربة الفضول الباحث عن متعة الشفاء لتقذفني في روعة البقاء نحو ديار الحزن
تلك الممدودة على جسر الألم وخارج أسوارها ارتديت حزني على عجل وكانه كتابي
المقدّس أحمله على اكفّ الرعاية وانتعلت حذاء اللعنة في رجلي غير آبهة لما قد يحلّ
بي
واختبأت من سهام العيون التي تترصّد طريقي مع كل
خطوة كنت أخطوها وكأن انفاسي المتقطّعة رهبة صارت تكبس علىنفق الحزن الذي يسكنني
ويسكن قدمايا وكاني به أسمع أنينه مستجديا عطفي ويحثّني على الرجوع الى عتمة بيتي
وكأنه يصرخ متعمدا ليوقض النائمين من حولي فتسارعت
خطايا الجريئتين وكأنهما تلبسان جلدته لاول مرة ولم أنتبه لأغصان الحزن التي تعرقل
حركاتي بخدوش وجراح وعويل وصراخ ودون أن انتبه صرت عند عتبة مدينتي المظلمة مدرجة
بالجراح فاخرجت غير مصدّقة تاشيرة عبوري منها معلنة غربتي الأبدية عنها وعن نفسي
مودعة حزني المخلوع عن عرشه المستبّد فاحسست لوهلة انني لست سقيمة ولا عليلة فطلقت
على غير رجعة الأسى وكل مساءات النواح غير ان الفزع ما طلّقني لحظة ولا تخلّصت من
نعله الذي أوصلني الى عتبة النور
تراني سأكفر بطبيعته واتركه خلفي كما تركت مدينة
بيتي الموحش وكل جيران حزني وعذابي
تكلّمني عتبة النور تلك مستقبلة خسائري وجميع
انتصاراتي وتستهويني للتقدّم اكثر فاكثر لألمس ولو للحظة ضباب مدينتي الجديدة التي
كان مكتوبا عليها حللت أهلا وطبت سهلا فوقفت مفزوعة الرؤى وانا لم أحظ بعد بتأشيرة
عبوري نحو تلك المدينة وكاني ما بين الجنة والنار كأصحاب الاعراف المعلّقين بآمالهم
وكأني صرت فجاة بدون وطن بدون حزن بدون نور فكيف أحيى إذن ؟ تابعت طريقي نحو
بوابتها الجميلة المعتّقة برائحة الحياة ولا يزال حذاء الحزن ينتعلني وكأنه صار
يضيق علي اكثر فأكثر كلما اقتربت خطوة وتجلّت لي اخيرا مدينة النور واستوقفتني
أسوارها وكأني حلم مشبوه استاذنت حاجبها للدخول بخوف وتردّد كبيرين لأني لا أملك
تأشيرة غير جسدي الحالم لأعبر به حيث يقيم معشر المبتسمين فاجابني مقاطعا فضول ما
يجري خلف الباب لا عليك أن تخلعي حذاء البكاء هذا وترميه بعيدا ففرحت وابتسمت
أخيرا وخلعته منتقمة منه ومن كل الذين مرواّ مستسلمين لأحزانهم فانا لا احتاج الآن
لاذن كي أبتسم فكلها بدون تأشيرة يا صديقتي الفرحة يا خليلة الجديدة أشرقت شمس
الابتسامات وانجلى عني الليل المقيت دخلت مهلّلة مبتسمة الجوارح والجوانح وتركت
خلفي حذائي وجميع ماساتي خارج أسوار المدينة لصقيع النسيان ولبرد المصير فقد
تخلّصت من بقايا الحزن المخلوع من عرش مملكتي المطمئنة لفرحها الجديد ........فما
اجملها من ساحرة تلك الابتسامة التي صارت حسناء تمشي بين طرقات المدينة وقفت قربها
علّ عدواها تنتقل إليّ بمجرد النظر ....... ورحت أخاطبها أتغزّل بها مسمعة كل
الحضور
كالسكّر أنت ذاب في فمي محتواها وأشرقت بمذاقها
الحلو ملامحي فزاد حلاها مقلتاها كعصفورين أبيضين يغتسلان على شرفة مداها تزورني
في خلسة و كأنما خلقت هي لتسافر في عمق الوجع خطاها ما أجملها من ابتسامة كأميرة
من تحت عرشها ترتشف الذكريات طيب نداها وأظل انا أقاطع جماهيرها وعشاقها وكلّ من
مروّا على حافة رضاها أقاطع دوما أنا طوابيرها الطويلة لأحضى فقط برشّة سرور
تغمرني مقلتاها مخادعة جدا هي حدّ الاحتراف كيف لها من طفلة تغرينا بسحر طلسمها
بسهولة مقصدها بعمق مهربها بضبابية مرسمها بخيو ط ثوانيها تورّمت قدمايا أميرتي
وليست ترضيني الدقائق الخاطفة منك كيف لها بل كيف لي أن أبرأ أنا ان لم تكوني
بقربي أياما تضحكينني بلياليها شقيّة أنت مغرورة متعالية جدا حين تزورينني وكأنّك
على موعد غرامي جديد لعاشق جديد تكدّسينه في علبتك الوردية متناسية أجسادا بسحرك
انتحرت أمانيها تراه كم عدد ضحاياك القتلى في محطّات العطش كم عدد المعلولين
بابتساماتهم المنتصبة في انتظار اشراقة منك تحرق كروم الشوق بروابيها كالبرق
تلبسين وجوهنا اليابسة كعاصفة خاطفة تنتزعيننا فرحا وتمضين حاملة سرّنا في حقيبتك
وكأنما جنيّة أنت في صورة ابتسامة فما دهاها تظل أقلامنا ورواياتنا وحتى عصافير
جوعنا وفراشات أحلامنا تطاردك وهما ويقينا ................. مادهاها كل المسافات
التي قطعتها في سبيل مدينتك الجديدة فلولاك ما تركت أهلي ما خلعت حزني لولاك انت
ما وصلت هاهنا باحثة عنك فاغمريني ساحرتي بمزيد من سحر الامل وجرعات الحلم فقد
اكتفيت من الترحال اكتفيت وقد ثملت من البحث عنك ثملت وقد سكبت ما في جعبتي من قوة
وانثنيت فزوريني أقبلي علي كلّ صباح كعصفورة تهزّين عرشي الجديد أراك تتقمّسين كل
أدوار الدنيا فامنحيني طمئنينة الحلم وأشربيني كؤوس النور الذي تحملين فقد قطعت ما
يكفي في سبيلك من جهد ويقين ......
خديجة ادريس + مريم فتح الله