الاثنين، 19 أغسطس 2013

السقوط الهادئ




تسقط بعض الأشياء بداخلنا عنوة من غير أن تحدث جلبة أو صوتا ، وكأنّها عاصفة خرساء تبحث عن كلمات .لم تعد لرقعة البكاء متّسع لمزيد من الشّجارات ومحاولات لافشال طموح ولد من غير مخاض وكأنّه لعنة تكتم في سرير الطلق صراخها ، وتمارس طقوس موتها الشهيّ ، وتزفّ روحها لنعش طاردها طويلا واستسلمت له أخيرا من غير مناديل ورقيّة ... فتتحوّل كلّ الامنيات إلى مقابر ترقد فيها جميع الرّغبات ... فيتأخّر مخاض السّقوط على شكل رذاذ من أعلى ناطحات تسكنها مشاعرنا ... وترغمنا أفكارنا على ابتلاع آخر جرعات صبرنا لنربك الحياة من حولنا قليلا، ونجعلها أكثر تقبّلا لوجع الحبّ الذي يتملّكنا ساعة تنفصل عقولنا المكابرة عن مشاعرنا المتواضعة التي تنهينا بهذا الشّكل المفاجئ من قباب للكبرياء إلى شظايا تبحث عن متنفّس لها داخل روح أخرى استوطنتنا صدفة ، وصالحتنا مع قدرنا من غير أن نحسّ بجمال ماوقعنا فيه من سقوط ... يعلو بنا نحو من نحبّ من غير أن نسعى إليه ، ويدنو بنا نحوهم وكأنّنا وصلنا إلى أنفسنا
فنضيع كالأطفالفي عمر لا حدود له ، وكانّه يجبرنا لأجل عيونهم أن نمرّغ عقولنا في تراب الزّمن ، محطّمين كلّ الشّائعات التي تنادينا من بعيد إلى نقطة انطلاقنا من غير كسر في الذّاكرة ، أو جرح يلزمنا فراش التّقاعد عن الحياة التي تنتظرنا رغم أنوفنا الجائرة أحيانا .
لا أستطيع أن انفي سقوطي الهادئ بين ذراعيك وكانّي ما سقطت من قبل بهذه الطّريقة ، كما لا أحجب عن أوراقي أيّ سقوط آخر داخل نفسي  حين تتوقّف أصابعي عن الكتابة ، او حين تنطفىء في فمي أنوار الفرح ، أو حين أجدني غير قادرة على مجالسة نفسي حين يضايقني الفشل ، وتهجرني جميع الأحلام 
هادئة أنا ولازلت في طريقي نحوك وكانّي أدمنت لغة السّقوط على يديك من كثرة ما صددت عصافير الاعتراف بأنّي أنثى تلزمها أكثر من وثبة على صدرك ، أو عصا تسافر بي نحو وعيك العميق من غير أن أجرّب كيفية الطيران .  
  أولى الخطوات نحو الحبّ هي ان ترمي بنفسك من أعلى ولا تبالي إن كنت ستقع حقّا بين يديمن تريد ان تحطّ رحال قلبك فيه ، وتستوطن قوافل أفكاره وصحراء عناده ، أو تجد نفسك مهشّم الأضلع في انتظارترميم وإعادة تركيب لجميع المحاولات التي باءت بالفشل .. أو التي نجحت معانقة دفاتر انجازاتها ، وسيرتها الذاتيّة في السّقوط الوفّق . فابتسم للحياة وامضي مجازفا بكلّ ما تملك لأجل سقوط كهذا ، ولا تتردّد في المحاولة وإلا عشت أبد عمرك كشجرة يابسة تأكلها نار الخيبات بمختلف أنواعها.
فما أجمل لو يتحدّى الانسان بعضه ويثبت أنّه قادر على مشاكسة الحياة بقليل من الثّقة وكثير من الحبّ . المهمّ أن تجتاز علوّ ما ترغب فيه مهما كان شاهقا ... وتنزل برفق من غير مقاومة .. وكانّك تكفر بجميع معتقداتك فلا صوت بداخلك غير الرّغبة في السّقوط وتنسى في لحظة من اللّحظات كم كنت بعيدا عنيدا في مقاومة روح اشتهتك حتّى النّزيف فجعلتك نبّيا لكلّ محاولة ..
الكتابة فيحدّ ذاتها سقوط مفاجىء يأتينا بغتة ، ولا قدرة لنا على ردّه لحظة يحتجزنا صمتنا في زوايا أنفسنا ... كذلك هو حالنامع الحبّ يخترق صمّامات امانك من دون أن تدري ، فيتعجّل كلّ جزء منك في التقاط ذبذبات العشق من بعيد لتتنفّسها بدل الهواء بحثا عن ذاتك المفقودة التي عثرت عليها يوم وجدت الحبّ وفقدت كبرياءك وانفتك في صدّ كلّ اجتياح يتحوّل بسرعة إلى احتياج ، فتصبح مفرداتك وأشيائك متواطئة في سدّ ثغرات ما كنت تعتقده عيبا لتصبح رهن إشارة الحبّ حين يضرب لك موعدا على ضفاف مدينة غريبة لا تعرف فيها سوى لافتاتها التي تعرّفك بنفسها ، وكانّك في رحلة مجنونة لاكتشاف قدراتك في البحث عمّ تريده من غير عجل ، فتجد نفسك غارقا في مدينة تسكنك ، ترفض أن تمنحك نفسها في المنازلة الاولى ، فكلّ صعب مشتهى ولكلّ بداية منتهى ، فمارس جنونك على الأشياء ودعها تأتي إليك من غير طلب ، فما أجمل ما يأتينا حين لا نطلب أبدا ... فالحبّ هو أن تعطي من غير طلب ، وأن تكتب من غير سبب ، وتسقط من غير عطب ....
أحيانا تسقط عينك من نفسك فتجد نفسك مجبرا على تغيير عاداتك السّلبية محاولا إثبات العكس ، لتعتدل صورتك التي شوّهها فشلك  وعدم تقبّلك لذاتك حين تجرّك للخلف ، ولا سبيل لك غير المحاولة .. أليست المحاولة المستمرّة للنجاح محاولة لاستعطاف قلوبنا ، واستدراج قناعاتنا حتّى لا نسقط من عيون تحوم حولنا.. قبل أن نسقط من عيون أنفسنا  
                                    خديجة ادريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق