مساء ... الورد
ركبت حافلة الوقت على عجل وطرت كعصفورة مذعورة بين أحضان جسور قسنطينة ، ونقّبت عنك كما ينقّب الموجوع عن حبّة دواء ضائعة ، وأخيرا وصلت متأخّرة على غير عادة العصافير وفتّشت عنك غرفة غرفة في بوم لا يستقبل فيه الزائرون مرضاهم لكنيّ أخيرا دخلت واتّجهت صوب رواق ضيّق ، مظلم ، وكأنه عمود لقطار مشلول ، ممدّد منذ زمن ، فتحت بابا مغلقا لغرفة معزولة تماما عن كل حركة وحياة ، استغربت هذا الّنفي القاسي في مدينة لا تعترف سوى بمدّ الجسور ، دخلت مبتسمة كعادتي الأولى ، غير أني ما جلست هذه المرة مطلقا ، وإنما فتحت بوابة العتمة المطبقة ، وكأنما أشعرني موقف الصمت برائحة شجار بينك وبين نافذتك ، استغربت الفراغ والهواء الذي استلقى على سريرك البارد ، غريب ألا أجدك بعد هذه الرحلة الطويلة ، جلست أقلّب علب الدواء بفضول فوجدتها محظوظة جدا لانها تظلّ ترعاك وربما تحدّثك أيضا عن قصصها مع المرضى الذين سبقوك غير أنها أكيد تقرّ بتميّزك عنهم جميعا ، لأنها بالكاد تفرغ من بلسمها ، رتّبتها ثم أعدت غلق النافذة الحزينة على غير عادة كل ّ النوافذ الباعثة في النفس روح الأمل ، استدرت على وقع خطوات ثقيلة ، متعبة ، مستسلمة وإذا بي ألمحك منتصبا ، مندهشا ، وكانك فنجان فاضت به الدهشة الممزوجة بالسرور، حملت صوبك علبتي المبللة بالتساؤلات، و وضعتها بين يديك حين غابت عني شياطين الكلام وشكرت حقا هذه الغرفة المظلمة لانها ربما تشبهني في صمتها ، في رحيلها المؤجّل بدون مواعيد ، فلكم تختزلني حيطانها وكأنك اخترتها عمدا لانها تشبهني وتشبهك ربما ، غير أن كلينا ظلّ صامتا في حضرتها .... فهل ستسعني حيطانها وحضورك لاستنزاف كلّ قطرات شوقي ، هل ستروي فضولي نوافذها أبوابها وحتى علب الدواء الواقفة وكأنما مستعدّة هي دائما لتلقينك طلاسم الشفاء .فلكم حدّثتني في صحوتك المفاجئة عن جميع حماقاتك ، وعن جميع مشاكساتك ، ورفضك المستمر ، وهزيمتك المقنعة في حضرتها فهل ستنكر في حضرتي أيضا جميع الاتهامات ....... يتبع
بقلم أ خديجة إدريس