على موقد الانتظار تنضج أشواقنا وفي أعواد الكبريت المنطفئة تكمن قوانا الصّامتة وكأنّ رؤوسها الحمرا ء مبعث لشقائنا حين يصبح للغياب اسما آخر غير الذي اعتدنا عليه و من القساوة أن تحسّ بالبرد ومعطف كلماتك بين كتفيك وفنجان أمنياتك امتزج ببعض أنفاسك المعلّقة . مؤلم أن تمتلئ بالحزن إلى الحدّ الذي تفقد فيه شّهيتك للكلام ، وكثير من وزنك العاطفي الذي كان يوما فاتحا لشهيّة الحياة ، متى ينضج قلبي ويكفّ عن مضايقتك كالأطفال أليس الحبّ طفولة ، أنانية ، رغبات مباحة ، تحصل على كلّ شيء بالبكاء أو الإلحاح ،أما كانت العاطفة يوما تعبيرا من تعابير الصّغر . أحنّ إلى طفولتي إلى زمن اللّعب والعبث .. أحنّ لدميتي التي أفسدتها غضبا ودفنتها في قلبي ، أحنّ لجدران بيتنا التي لم تسلم من مشاكساتي وخربشاتي الطّويلة ، أما آن لي أن أكتب على صدرك ما يخطر ببالي أحتاج قلبك لأتّخذ منه حبرا ، أحتاج صوتك لأبني عليه أمنياتي ، أحتاجك أكثر لأنّي أريد أن أمارس طفولتي بين يديك ... سأكتفي بك فلا شيء بعدك يستحقّ أن يذكر أو يكتب ، فامنحني مزيدا من الجنون وقليلا من التّهذيب فأنا أقسمت ألا أكون في وجودك لبقة أو أنيقة أو مهذّبة لأني قرّرت يوم أحببتك أن أمرّ على تفاصيلك وكأنّ عمر الخيبة ما نضج بعد
وكأنّ حلمها كان هو ولا يزال ... قاطرة متمسّكة بأحلامها تنتظر إشارة الانطلاق نحو مجهولها الجميل الذي يخافه الكثير ، لكن هي أحبّته منذ البداية ، فكانت ضمّته المقدّرة ، وحركة أيّامه ... ماعادت الأقلام تطعم شوقي وما عاد الصّوت يسدّ رمقي فالحبّ يكون أجمل حين يفقد صاحبه حاسّة الشّبع ، مفرط في شراهته إلى حدّ المرض وكأنّه لا يأبه إن فقد رشاقته المعهودة لا بل يكون ساحرا في ثقل وزنه وكانّ المشاعر صارت لا تساوم أبدا على رغباتها الملحّة وكأنّها طفل مغرور أنانيّ لا يحبّ أن يعبث طفل آخر بلعبته بصديقته التي لا تتحدّث إلاّ صمتا لا تجالسه إلاّ حين يرغب ... ويرميها بعيدا حين يملّ منها لكنّه يعود حين لا يجد غيرها مؤنسا لطفولته في زمن كثرت فيه الألعاب وقلّت فيه الحقيقة أدمنته حتّى صار جسمها يرفض العلاج بالمهدّئات ، والانشغالات الواهية ، فلا يمرّ يوم إلاّ واشتدّ مرضها به إلى درجة أنّ ملامحها يبدو عليها الارهاق والتعب ، فتبدو ابتسامتها من بعيد كهلال في نهاية نقصانه ... شيء من نوره يأفل وشيء من ظلامه يظهر محدودب الرّغبة ، وكأنّها بين سما ء ولحظة تنشقّ من أنفاسها عبرات الغياب ، غير مصدّقة أنّ روحه وفجر غيابه صار يعبرها كقطار ويمضي ، لم تعرف أنّها صارت محطّة لتنهيداته التي لا تجني منها غير الصّمت ... قطار دهس أحلامها وتركها مشتّتة النّظرة لا ترسو على برّ ... أما كان صدره أمانها ، صمّام رجائها الوّحيد ، أيعقل أن ألعن الانتظار في حين تباركه نعم النّسيان والانشغالات الكثيرة التي صارت عشيقته الجديدة ... التي سرقته منّي بحمرتها المزيّفة ، انهيت نهاري شبه مصدومة لا أميل لشي ء غير يقيني الوحيد بنهاية يوم ثقيل مرّ من دونه وتظل روحه بخاطري تنشد معزوفة صامتة أتقنها الوجع حتّى صارت تحفة تعبث بها أصابع النّسيان ، فجذير بذاكرتنا المخذّرة أن تستيقظ على تسلّلات صوته المفاجئ وقت نومنا كمنبّه نفذت بطّارية شوقه فاعتزل الشّعور ريثما يصلح عطب المسافات التي ازداد وزنها وكأنّها لا تشتهي غير النّهم لأطباق أفراحنا ... ما أقساه من تفكير حين يتحوّل إلى ومضة ذكرى يصنعها الغائب ويتوّجها المنتظر خليلة الخذلان ، لا تشتهي الوصل إلاّ بالقدر الذي ترسمه هي كخيط دخّان أعلن ثورته المفاجئة ليعكّر مزاجي باختناق صنعته لحظات التّفكير به ... ماذا تصنع حين تحفّك الخيبة بذراعيها وتهمس في أذنيك تشدّ انتباهك نحو صومعة الجوع الدائم لصوته وكأنّه مرهم لقرحة الألم ، و ضمّادة لجرح ينزف وردا مبتسما آملا في عودة من أدمن الغياب حدّ الشّبع ، فيا شهقة الرّوح المتمرّدة يا عصفورا أطعمته من محبّتي لا تبتعد كثيرا فالبهجة التي تصنعها تكفيني خديجة ادريس