رسالة إلى طفلة تبدأ خيبتها بحرف الرّاء
ما أجمل التسوّل صغيرتي .... طالما كان المانح هو ثمّ هو ثمّ هو
موجوعة بي جدا .. تتحرّك بداخلها أنفاسي عنوة وكأنّها مصابة بلعنة اسمها النّسيان ... تكوّر أحرفها على عجل ،وتمضغ أصابعها مختلسة وكأنّ وباء ما قد أصابها ...فراحت تنسج تخاريفها على مقربة من مسامعي وكأنّها مطالبة بالنّباح المستميت حتّى ترمى لها عظمة تسدّ منافذ الجوع عندها ، أو تحظى ببعض الاهتمام ... فاطلبي الرّحمة ... ولا تنتظري أحدا علّ صندوق أمنياتك المثقوب يشبع في ليلة اختلطت فيها الرّؤوس بالأقدام ، والنّعال بالتّيجان أو لعلّك تفلحين في إطفاء جذوة النّدم المتوقّدة في أحشائك و تعالجين همّا ثقيلا يتراءى من فوقه شبح ماثل من أشباح الموتى ... مفجوعة وكأنّها ثكلت قبحها تستقطر الرّضى من سمّ الخياط حتّى بلغ بها الفقد مبلغه ... ودرج بها التسفّل قممه وحشرجت أنفاسها المريضة بي حتّى انشقّ بصرها ، ُتصعّد في خُيلاء الزّفرة فالزّفرة وترسل الدّمعة إثر الدّمعة مرتاعة ، مولّهة ، يتعهّدها الجنون بالسّقية وكأنّ الشيطان علق في فمها ، نافثا سمّه في جلدها ، عابثا ببقايا عقلها .
منظرها الحزين وهي تقلّب أوراق حلمها المتصاغر تحت وطأة صدمة لا تعرفها ... يباغتها الوجع من حيث لا تدري مغتالا عاطفتها ، داساّ سمّه في دمها المعذّب .. ترجو الخلاص من لعنة راقصتها في ليلة مزدحمة بالأقنعة ...وكأنّها تخطّ أول حرف في ورقة ، تنفخه في الهواء نفخة واحدة فيصبح فقاعة ، فراشة عرجاء فجّرها التفكير لحظة تحليق عابر لا يوصلها التّحليق إلى شيء... فتعيد بيأس ترتيب إخفاقاتها المتتالية علّ الكتابة تأتيها مرغمة لترفع عنها بعضا من الحرج ، وشيئا من الهوس بقلم يرفض أن يسلمها روحه في أوّل عثرة لها مع النّسيان ...
جلست تنتف ريشها المجنون على طاولة فارغة وتتمتم سائلة هو لي ، ليس لي ، أنا له ، لست له ... وانتبهت فجأة لنفاذ ريشها المنزوع ، فتلقّفتها فوّهة الدّهشة وهمّ بها العزم لولا أن رأت برهان خطيئتها تحفّه الأوجاع من كلّ ناحية فخمدت جميع رغباتها المشتعلة الباردة واستسلمت مرارة الهزيمة في فمها ومضت في استحياء تطلب طفولتها ، تنعى أنوثتها ، فافتتن بها الفشل حتّى أخذ منها كلّ مأخذ و طفح بها الكأس واعتلاها اليأس ، وانشقّ الزّمن في فكرها وابتلع ما تبقّى من أيّامها ثمّ التأم ....
بقلم : خديجة إدريس