الجمعة، 20 سبتمبر 2013

************ موجوعة بـــــي جدّا *************

 

رسالة إلى طفلة تبدأ خيبتها بحرف الرّاء
ما أجمل التسوّل صغيرتي .... طالما كان المانح هو ثمّ هو ثمّ هو 

موجوعة بي جدا .. تتحرّك بداخلها أنفاسي عنوة وكأنّها مصابة بلعنة اسمها النّسيان ... تكوّر أحرفها على عجل ،وتمضغ أصابعها مختلسة وكأنّ وباء ما قد أصابها ...فراحت تنسج تخاريفها على مقربة من مسامعي وكأنّها مطالبة بالنّباح المستميت حتّى ترمى لها عظمة تسدّ منافذ الجوع عندها ، أو تحظى ببعض الاهتمام ... فاطلبي الرّحمة ... ولا تنتظري أحدا علّ صندوق أمنياتك المثقوب يشبع في ليلة اختلطت فيها الرّؤوس بالأقدام ، والنّعال بالتّيجان أو لعلّك تفلحين في إطفاء جذوة النّدم المتوقّدة في أحشائك و تعالجين همّا ثقيلا يتراءى من فوقه شبح ماثل من أشباح الموتى ... مفجوعة وكأنّها ثكلت قبحها تستقطر الرّضى من سمّ الخياط حتّى بلغ بها الفقد مبلغه ... ودرج بها التسفّل قممه وحشرجت أنفاسها المريضة بي حتّى انشقّ بصرها ، ُتصعّد في خُيلاء الزّفرة فالزّفرة وترسل الدّمعة إثر الدّمعة مرتاعة ، مولّهة ، يتعهّدها الجنون بالسّقية وكأنّ الشيطان علق في فمها ، نافثا سمّه في جلدها ، عابثا ببقايا عقلها .
منظرها الحزين وهي تقلّب أوراق حلمها المتصاغر تحت وطأة صدمة لا تعرفها ... يباغتها الوجع من حيث لا تدري مغتالا عاطفتها ، داساّ سمّه في دمها المعذّب .. ترجو الخلاص من لعنة راقصتها في ليلة مزدحمة بالأقنعة ...وكأنّها تخطّ أول حرف في ورقة ، تنفخه في الهواء نفخة واحدة فيصبح فقاعة ، فراشة عرجاء فجّرها التفكير لحظة تحليق عابر لا يوصلها التّحليق إلى شيء... فتعيد بيأس ترتيب إخفاقاتها المتتالية علّ الكتابة تأتيها مرغمة لترفع عنها بعضا من الحرج ، وشيئا من الهوس بقلم يرفض أن يسلمها روحه في أوّل عثرة لها مع النّسيان ... 
جلست تنتف ريشها المجنون على طاولة فارغة وتتمتم سائلة هو لي ، ليس لي ، أنا له ، لست له ... وانتبهت فجأة لنفاذ ريشها المنزوع ، فتلقّفتها فوّهة الدّهشة وهمّ بها العزم لولا أن رأت برهان خطيئتها تحفّه الأوجاع من كلّ ناحية فخمدت جميع رغباتها المشتعلة الباردة واستسلمت مرارة الهزيمة في فمها ومضت في استحياء تطلب طفولتها ، تنعى أنوثتها ، فافتتن بها الفشل حتّى أخذ منها كلّ مأخذ و طفح بها الكأس واعتلاها اليأس ، وانشقّ الزّمن في فكرها وابتلع ما تبقّى من أيّامها ثمّ التأم ....
                        
                                    بقلم : خديجة إدريس

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

معاقل ... الوجع



ما أوجع الطّرق على رقبة أنفاسي وكأنّي أتعمّد في غيابك رشف اختناقي ... أقلّب في برّاد الأشياء المنسيّة عن جرعة صوتك علّني أستنشق ما تبقّى لي منك لأخلع ثيابي قطعة قطعة وأرمي بها بعيدا حيث الرّغبة صامتة ....ولا مكان في قلبي غير محطّة مغتصبة ... أربكها الهجر . فويحي من همز شياطيني حين أجفلت بضحكاتها عين مودّتي وأوقعتني المعصية من سما ء محبّته فالتحفت ورق الخطيئة أداري سوأة فعلتي ... جالسة على حافّة دمعتي يأكلني وجع النّدم الخانق ... مجنونة أبتلع فوضى سويعاتي التي مضت من دونك وكانّك ماغادرتني ، وما انتشرت لتوّها حمّى ابتعادك ... فنظرة واحدة كافية لإشعال فتيلي .... فأضرم في ثيابي مزيدا من قبلك علّني أكتفي بالحرق على يديك ... ماهمّني في رفضها تلك المسافات المجحفة في تقسيط مودّتك .... وكانّها تمنّ عليّ بشفتيك القريبتين حدّ الإغماء في تحليقهما الدّائم قربي كفراشتين أرتشفهما كشراب مخذّر لا طاقة لي على رفضه ، ومباغتة نداءاته المغرية ...وكأنّه أمل يطفئ ألما ضاقت به السّماء ...وهتاف يأتيني من خلف السّحب من خلف نافذتي الضيّقة حين يحتسيني السّكر ويعرّيني على حصير الجفاء .. فتبدو لي الأشياء من حولي وكأنها تشبهك ، ترتدي ملامحك ...أن اقترب أيّها البعيد المكابر .. اقتربي أيتها الأشيا ء التي تشبهه ...كفاني احتراقا وتعالى كما تتعالى الرّغبة الكامنة في جسد مشتاق أعيته الحكمة حتّى نفخته من تحت ثيابه ... وبعثته لي شهيّ الرائحة في صدوده واضعانه .... ألست مجنونتك التي استيقظت من تحت مجامر أنفاسك ... ألا أعدني دخّانك ... معصم أفكارك ... وساعة هروبك ... ألا أعدني حيث أنت معشوقتك التي قرعت معاقل طيبتك ورقصت طويلا بين أصابعك
خديجة ادريس

مبرّرات ... حنين


4_أقلّب تفاصيل شفتيك كدفتر صغير ، وأكتفي بسحب أنفاسهما قطرة قطرة .. لأفرغهما على مهل في فمي .فلتمطر عليّ السّماء بالقبل ولتدبر المسافات بوجهها الغضوب ، شيئا فشيئا تسارع النّبض في مقعده الخجول وعلى ركبتيك أرخى ما تبقّى من شوقه العجول ...أطفأت الضّوء وبقيت بنور ذكرك ومعي طيفك أفكّ أقفاله وأرتدي رداءه وكأنّي لا أبرّر للحنين صمتا ولا لقرع النّعال المحيطة بنا صوتا ... وكأنّي بها تستعجل لحظة افتراق وكأنّ تيارا ما دبّ في دمي ، صاح مستنكرا كلماتي. مستصرخا جبروت افتتاني ...ثمّة حرب ما تطحن عواطف مدسوسة خلف الجذار تنفرد حلقاتها في كفّي كما السّراب المحمول على أجنحة الرّيح ... أشرق وجهي ، أشرق قلبي ، بثوبه الشّفّاف ولا حقيقة سوى إحساسي بأنّي أركب موجك كأرجوحة تروح بي وتجيئ..
مفتونة به ، مأخوذة بتفاصيل دفتره سأكون صديقة ابتسامته ، ورفيقة ذاكرته ... تقوقعت في فمه ... واستوطنت جميع حواسه ...أحجب صدره بعيدا بعيدا حتّى تنسحب السلحفاة إلى صدفتها وتكفّ زحفها البطيء نحوه وكأنّها على حافة قربه تمتهن حبّه بذراع واحدة ... انتهيت إليه متسلّلة سارقة محتالة متجبّرة لا أرضى لغيري متّكأ أحيي في صدره صبرا وأميت ....لا أقوى بعده ، أتغذّى من رائحة جسمه ، مستسلمة لنغمه ... متناسية صخبا ما أقلق سرير أفكاري لحظة تحرّر فيها الحرف واستقرّ في دائرة فمه ، مكثت غير بعيد أشاكسه ...أنوي العودة إلى دفتره .. فما أشهى قربه وعزوفه ..
                                خديجة ادريس





وتأجّل ... الحلم الصّغير



مسحت غبار الوقت الضّائع من نافذة أحلامها الصّغيرة... تنتظر موعد لقائها الأوّل بطاولتها الجديدة ... رفيقة دربها الأولى ... بعد والديها ومهد أخيها الصّغير ... فما أجمل أن تنتظر شيئا جميلا سيأتيك ولا يوجد في دفاترك الجديدة غير الانتظار علّها تكون أوّل خطوة نحو الانفصال عن رحم البيت ، ورائحة الدّمى ، وضجيج الحيّ ... تراها كيف ستكون البداية والعالم من حولها مليىء بالمفاجآت والخيبات التي لم تعتد عليها .... لم تجرّب بعد احتساء نخبها من خلف طاولات الزّيف والخداع ..... تماما كمرآة غرفتها الباردة التي لا تصحو الحقيقة إلاّ على يدي ابتساتها البريئة ... ومرّ الوقت بطيئا في أنفاسها متعمّدا ، متطاولا ... مباغتا طفولتها ... ليأتيها الوجع من حيث لا تدري ...فتغادر كلّ العصافير أعشاشها محمّلة بالأماني وتبقى هي خلف نافذتها منتظرة خلاصها في صوت يأتيها من أعلى برج سكنته الأحلام ... ليمسح دمعتها ويعجّل التحاقها بمدرستها لأوّل مرّة ... تأجّل الموعد ، وركنت الحقيبة في ظلمتها وانطوت الدّفاتر والأقلام المتعجّلة .... حتّى أتاها نورها من بعيد محمّلا برغباتها ...تهابه الأشياء المستعصية ... فما أجمل أن تبتلع دموعك وآهاتك وتبتسم ... حين ترى قرّة عينك تغمرها الفرحة .. وكأنّ شيئا ما تحرّك في كبدك يهزّك في العمق ، يصرخ في وجهك فاتحا كلّ النّوافذ البعيدة ، مستسلما لكلّ الشرفات السّاكنة .... مادّا جسر مودّتك لطفلة تأخّرت عن موعدها ... بخطوتين ...وتأجّل حلمها الصّغير بدقيقتين ...


خديجة ادريس